النمل المتسمم يستشعر علاجه المناسب
شبكة العاصمة اونلاين
همام الدين الرشيد
يتميز عالم الحشرات بآلاف الأسرار التي لم نكتشف إلا قليلاً منها بعد، واليوم اكتشف الباحثون ميزة غريبة لدى بعض أنواع النمل وهو نمل فورميكا فوسكا، إذ أنه قادر على استشعار علاجه المناسب وامتصاصه من ضمن مواد آخرى، فالنملة التي تتعرض لعدوى فطرية قاتلة مثلاً فإنها تعمد إلى البحث عن مواد أخرى يمكن أن تقضي على هذه العدوى.
كيفية اكتشاف هذه الظاهرة ؟
وقد لاحظ الباحثون ذلك بسبب توجه النمل بعد إصابته بالعدوى إلى جيف الحيوانات، وإلى الرحيق، أو المن الذي تفرزه الحشرات بدلاً من توجهه لمكان نظيف أو جاف، ما يدل أنه يبحث عن مادة معينة، وعند التركيزعلى هذا النوع من النمل “فورميكا فوسكا” والذي يعيش في التراب أو تحت الأماكن المتعفنة أو الحجارة، وجد أنه وبعد إصابته بعدوى فطرية من نوع “البفاريا باسينا ” فإنه يبدأ في التغذي على مادة سمية لإنقاذ حياته.
فالعدوى تقوم بإفراز إنزيمات تذيب الغطاء الخارجي للنمل، وتنفذ لداخل جسم النمل لتتغذى عليها حتى تصبح كرة ميتة وهشة من العفن في انتظار أن تنفجر في غفلة من بقية النمل وتصيبه بالعدوى، إلا أنّ ما يحدث حقيقة مخالف لذلك فالنمل المصاب الذي يبدو عديم القوة، وطبقاً لدراسة حديثة قام بها نيك بوس من جامعة هيلسينكي بفنلندا أنه بعد التعرض للفطر، يسعى النمل إلى أن التغذي على طعام يحتوي مادة سامة تقتل إفرازات الفطر وتساعد النمل على النجاة.
فالنمل يشتم دواءه كما يقول نيك بوس كاتب البحث، ويضيف: “يوجد في قرون استشعار النمل ما يمكنه من أن يشم عدداً كبيراً من المواد المختلفة، لذا ليس من المستغرب أن يشم النمل الطعام الذي يحتوي على الدواء.”
هل النمل وحده قادر على علاج نفسه ؟
إلا أنّ هذه القدرة على التداوي ذاتياً لوحظت أيضاً لدى مخلوقات أخرى من الطيور والنحل والزواحف، إلا أنّ الكائنات التي تتمع بهذه القدرة عادةً ما تفرز بنفسها المواد الحامية من المرض، في حين يلجأ النمل لاستخلاصها من الطعام الذي يأكله.
وفي تجربة عملية قام “بوس” وزملاؤه بتقسيم النمل الى مجموعات، وتم تعريض بعضها لفطريات سامة، وأطعم بعضها من العسل وبعضها الآخر من مكملات غذائية تحتوي على مادة “آر أو إس” الضارة والتي تقضي على العدوى الفطرية.
فلوحظ أن النمل الذي لم يتعرض للعدوى والذي تم إطعامه بالغذاء السام يموت عادة، وهذا أمر متوقع لأن “آر أو إس” مادة سمية وقد تكون قاتلة. لكن النمل المصاب الذي تعرض للفطر السام سجل نسبة بقاء على الحياة أعلى عندما تغذى على الطعام المشبع بتلك المادة.، حتى أنه فضل تناول مكملات الطعام المضاف اليها مادة “آر أو إس” عندما أعطي الخيار، ما يعني أن النمل يسعى للتغذية على تلك المادة محتملة السمية كوسيلة للعلاج، بل ويمكنه التنبؤ بالعدوى بعد تعرضه للفطر السام، أي يعالج نفسه للوقاية من المرض.
النمل يتناول العلاج بمقاديره المطلوبة فقط:
وزيادة على ذلك فإن النمل على ما يبدو يعلم أن هذه المادة سامة، فهو يتناول كمية معقولة وغير مبالغ فيها من الدواء، أي ما يكفي لعلاجه فقط، حتى أنه عندما أعطي خيارين، لوحظ أنه يفضل الجرعة الأقل من مادة “آر أو إس”، وهو خيار ذكي نظراً لطبيعتها السامة.
الجدير بالذكر أن الحشرات عموماً على وعي كبير بتكوينها الداخلي وهذا تقوله جاسيكا أبووتو -وهي باحثة سوريدية-، فكما أسلفنا يستطيع النمل معرفة نسبة تركيز فوق أكسيد الهيدروجين السام، ليتناول كمية كافية فقط من المادة التي يحتويها، مقدراً ما يحتاجه جسمه من علاج للقضاء على العدوى الفطرية.
المصدر: BBC Earth