شبكة العاصمة اونلاين- خاص
سلسبيل زين الدين
” حينما دخلت كان في الزواية رجل خمسيني، رُسم على ظهره لوحة فنية ببندقية عسكري وبكعب حذائه، مستلقيًا على بطانية في أرض باردة، انحنيت فوق ظهره، فانتفض ما تبقى من جسده، خوفًا أو بردًا اوكلاهما” يوصف محمد أول مشهد له في احد سجون الأسد في معتقل صحنايا.
مبنى مهجور بين داريا وأشرفية صحنايا، غرفة لا تزيد مساحتها عن عشرين مترًا، فيها أكثر من خمسين معتقل، متكدسين فوق بعضهم البعض. يصف محمد لحظة دخوله الغرفة ” خلعت ثيابي عدا الداخلية، ثم دخلت على الغرفة وسلمت على أشخاص أشبه بالأموات”.
أصوات أنين وتهليل واستغفار بصوت خافت هذا كل ما يمكن أن تسمعه، حاول محمد بصفته طبيبًا أن يداوي جراح الرجل الخمسيني، لم يكن في الغرفة ما يساعد على تطبيب جروحه.
يقول محمد ” خلعت القميص الداخلي وبلتته من ماء الصنبور، برودة الماء قاتلة، قتلت اي احساس في يدي” ثم استكمل محمد في محاولاته لتدفئة الماء بالنفخ فيه، فيما استنكر احد الشباب ” ماذا تفعل ؟” فرد محمد ” أدفئ الماء” فتعالت ضحكات ساخرة كأنها لأول مرة تصدر من افواههم.
بعد أن انتهى من مسح جروحه، خرج صوت أنين ينادي، حاول محمد معرفة مصدر الصوت، حتى ارتفعت يد شاب في الثلاثينيات من عمره قرب الزنزانة. اقترب منه محمد بصعوبه بعد ما مر فوق اكوام من اللحم المجمده، ليجده مصابًا برصاصة قناص في بطنه.
الجرح لم يكن ينزف ولكن خيوطه جراحه بدأ تتعفن، سأله محمد عن مدة وجوده هنا فقال عشرين يومًا. حاول محمد فك الخيوط ولكن يديه الباردتان لم تساعدها على الاطلاق. ساعده شيخ اربعيني بالقراءة على الجرج. حاول الشيخ النفخ في يده ليدفئها ويقرأ القران بصوت خافت يريح الصدور.
يقول محمد ” خمس ساعات داخل الزنزانة، هي الأكثر ألمًا في حياتي” أكمل محمد ساعته السادسة بعد أن نادوا على اسمه للتحقيق في غرفة كانت كالجنة حيث المدفأة ودخان السجار يعبأ المكان.
ذكاء محمد انقذه من بطش العساكر، فقد أتقن دور الوحش والمتخلف. فقد كان مسبقًا ملأ جهازه المحمول بصور للاسد واغاني للداعور واغاني جورج وسوف ومقاطع لخطابات الأسد. تلك الأشياء كانت كفيلة بتقديم اعتذار له. يضيف محمد” قرروا لحظتها الافراج عني، بينما كنت أحاول قدر الامكان ألا أنسى أرقام المعتقلين التي أخذتها”.
الثالثة بعد منتصف اليوم، كان يقف محمد في شارع مظلم، لا يعلم اين أذهب. اخذه العسكري الى طرق فرعية حتى وصل الشارع العام لأشرفية صحنايا، ثم أخذه أحد العناصر على دراجة نارية الى الحاجز، حيث انتظر أحد الاصدقاء ربع ساعة بعد أن اتصل به ليقله الى المنزل.
“بمجرد ركوبي السيارة، بدأت بتدوين الأرقام على الهاتف، وكانت هي همي الوحيد وقتئذ” ومع انتهاء هذا اليوم، باءت كل محاولات محمد للحصول على الدف بالفشل، فيتذكر اللحظات الأولى بعد استيقاظه من غفوته ” لولا الأرقام التي سجلتها في الهاتف، واستيقاظي في منزل صديقي لقلت أني كنت أعيش كابوسًا”.
بعد ان استرد محمد بعضَا من طاقته، اتصل باهل المعتقلين وطمأنهم أن ابناءهم أحياء بعد أن كان معظمهم فقد الأمل بوجودهم أحياء. ولكن ينهي محمد حديثه بتساؤل ” هل هم أحياء حقًا؟ أم أموت مع وقف التنفيذ؟”