عمد النظام السوري وحليفته روسيا إلى استهداف البنى التحتية في المناطق الخارجة عن سيطرتهما، إلا أنّ المستشفيات والنقاط الطبية نالت الحصة الأكبر من هذا الاستهداف، وتحديدا في الريف الجنوبي لإدلب، حيث استهدف الطيران الحربي أغلب المستشفيات الكبيرة وأخرجها عن الخدمة بشكل كامل.
وكان آخر المستشفيات التي خرجت عن الخدمة في الثاني من نيسان/ أبريل الجاري؛ المستشفى الوطني في معرة النعمان، وهو مستشفى كبير ويحتوي أجهزة ومعدات طبية، قبيل القصف بالأسلحة الكيميائية على مدينة خان شيخون في الرابع من الشهر نفسه، بالإضافة لمستشفى الرحمة في خان شيخون، الذي طاله القصف أيضا بعد مجزرة الكيماوي بساعات قليلة.
200 ألف سوريّ بلا مستشفيات
وفي حديث لـ”عربي21″، قال الطبيب عبد الحميد دباك، المسؤول عن عمل مستشفيات في مديرية صحة إدلب الحرة، إنه “كان هناك أكثر من سبعة مستشفيات في الريف الجنوبي، بينها ميدانية وبينها مركزية”.
وأوضح أن أكبر هذه المستشفيات كان مستشفى معرة النعمان الذي كان يقدّم خدمات لأكثر من مئة ألف نسمة يقطنون المنطقة، وأكثر من 30 ألف مراجع شهريا، “حيث خرج عن الخدمة بشكل كامل جرّاء القصف، بالإضافة لاستهداف بقية المستشفيات في المنطقة بغارات جوية من الطيران الروسي وبشكل متعمّد أخرجتها عن الخدمة، التي كانت تخدم أكثر من مئة ألف نسمة أيضا”.
ووصف الطبيب دباك الوضع في الريف الجنوبي بـ”الصعب جدا، إذ لا توجد خدمات طبية كما يجب، إنما هناك نقاط طبية صغيرة وقليلة جدا يقتصر عملها على الإسعافات الأولية وبعدها تحيل المرضى إلى شمال إدلب”.
وقال: “هذا غير كاف، ولا يتناسب مع الكم الهائل من الجرحى والمرضى في المنطقة. ومن الممكن ان يؤدي لكارثة إنسانية في حال استمر الطيران الروسي والنظام باستهداف المنطقة على هذا النحو”، وفق تحذيره.
وتابع دباك: “نحن كمديرية صحة أرسلنا عدة رسائل للأمم المتحدة والمنظمات الدولية للضغط على روسيا والنظام؛ لتحييد المستشفيات والنقاط الطبية والابتعاد عن قصف البنى التحتية وكل ما يتعلق بالمدنيين بشكل عام، لكن للأسف دون جدوى حتى الآن، فما زال النظام وحلفاؤه مستمرين بقتل المدنيين وتدمير البنى التحتية، وعلى رأسها المستشفيات، لحرمانهم حتى من حق العلاج”، مجددا مطالبة “بإيقاف هذا القصف المتعمد من قبل النظام وحلفائه، والسعي لمحاكمتهم على هذه الجرائم التي ترقى إلى جرائم حرب حسب القانون الدوليّ”، بحسب قوله لـ”عربي21”.
ما هي مصلحة النظام؟
بهذا الخصوص، قال الضابط الطيار المنشق عن قوات النظام، عقاب مالك، إن عملية استهداف المستشفيات كانت سياسة النظام منذ بدأت الطلعات الجوية على مناطق سيطرة قوات الفصائل، موضحا أنه بمجرّد بدأ الرّوس عملياتهم في سوريا نهاية أيلول/ سبتمبر عام 2015، زوّد فرع الاستطلاع الجوي الخاص بقوات النظام الرّوس بإحداثيات مواقع المستشفيات والمدارس على وجه الخصوص لقصفها، “إلا أن الأمر انعكس بعد مضي نحو عام ونصف من التدخّل الروسي، فطيران الاستطلاع الروسي بات يزوّد قوات النظام بهذه الأهداف، والطرفان يتناوبان على قصفها”، وفق قوله.
ولفت الضابط الطيار أيضا إلى أن إدارة الاستطلاع الجوي، حصلت على إحداثيات أهدافها عن طريق “جواسيس” مرتبطين مع قوات النظام ضمن المناطق الساخنة.
وأشار العقيد مالك إلى أنّ للنظام السوري وروسيا هدفا مشتركا من تدمير المستشفيات، “يتمثل بالضغط على الحاضنة الشعبية لقوات الثورة وتهجيرها من مناطقها، وخلق حالة من اليأس والكره للثوار والثورة، وكذا قتل الكوادر الطبية الثورية والضغط على من بقي حيا لمغادرة البلاد، علاوة على حرمان قوات المعارضة من خدمات المستشفيات الميدانية للضغط عليهم للانسحاب من تلك المناطق”، وفق تقديره.
معوقات وحلول
بدوره، قال طبيبٌ ميداني في ريف إدلب الجنوبي، تعرّض محيط المركز الصحي الذي يعمل فيه لقصف من الطيران الحربي، إن “القصف العنيف من قبل قوات النظام والطيران الروسي الذي استهدف الأماكن المحيطة بالمركز الصحي، لم يثنينا عن متابعة العمل”، مشيرا لحاجة المنطقة لهذا المركز الذي لم يبق سواه؛ بعد خروج بقية المستشفيات والمراكز عن الخدمة بسبب القصف.
وأضاف الطبيب الميداني عبد القادر نجم لـ”عربي21″؛ أن استمرار المركز الصحي بالعمل لا يعني بالضرورة أنه قادر على تقديم الخدمات الطبية للمنطقة، “فقد بات عاجزا بشكل كبير عن تقديم خدمات للعدد الكبير من الجرحى، ويعمل بشكل جزئي لتغطية بعض الاحتياجات الأساسية القليلة التي لا تفي ولو بنسبة ضئيلة جدا من حاجات السكان الطبية والأعداد الكبيرة من أهالي الريف الجنوبي بشكل عام، في ظل الحملة الشرسة التي تشنها روسيا على المنطقة”، كما قال.
معوّقات كبيرة تحدّث عنها الطبيب نجم، وقال إنها باتت تعترض طريقهم في استمرار عملهم، منها بُعد المستشفيات عن مدينة خان شيخون وما حولها، فأقرب نقطة طبية تبعد نحو 30 كيلومترا، وبالتالي هناك صعوبة بالغة في نقل الجرحى والحالات المرضية، ولا سيما الحرجة منها، بسبب عدم وجود سيارات كافية مجهزة لتقديم خدمات إسعافية كافية خلال نقل المرضى الى المستشفيات الرئيسية.
وعن الحلول الممكنة، طرح الطبيب الميدانيّ خيارات عدّة لتحسين الوضع الطبي في المنطقة، كتقديم الدعم اللازم لإعادة ترميم المنشآت، وتحصينها بشكل جيد لتكون محمية من القصف ولو بشكل نسبيّ، إلى جانب فكرة العيادات المتنقلة لتقديم الأدوية والاحتياجات والمعدات الطبية وتأمين الاحتياجات الإسعافية الأولية، وإمكانية زيادة منظومات وسيارات الإسعاف من أجل نقل الجرحى، مشيرا إلى أن هذه الحلول قد تفي بالغرض مؤقتا.
ويرى نجم أن سبب القصف الروسي على المستشفيات هو “انعدام الإنسانية لدى روسيا، الذي يدفعها إلى استهداف المناطق الحيوية التي تستطيع من خلالها محاربة المدنيين، والضغط على الثورة على حدّ تعبيره”، مضيفا أن هدف الرّوس أيضا يكمن في القضاء على الخدمات الطبية بشكل كامل لمنع الجرحى من تلقي العلاج ما يسبب فقدانهم حياتهم، “وبالتالي زيادة عدد القتلى، وهذا ما تعتبره روسيا إنجازا”، كما يقول.