فادي وشادي.. موت وسجن بلا ذنب
شبكة العاصمة اونلاين – خاص
سلسبيل زين الدين
حتى مع مرور السنين، لا تزال أم فادي تجلس مواجه الباب، ترقب أبناءها الذين غيبهم الدهر والموت، في محاولة أمل أنهم سيدقون الباب بعد قليل، معتقدة أن عائلتها تكذب عليها، رافضة فكرة غياب أبنائها، فيما ينفث أبو فادي أعقاب السجائر في الهواء لعله يطفئ شيئًا من الحُرقة ويراقب بصمت زوجته.
قبل ثلاث سنوات في سوريا وبعد اندلاع الحرب في جميع أطرافها وهجرة النازحين من مكان لآخر خرج فادي ( 29 عامًا) ليقتطع قوت يومه، حيث يقوم بنقل أثاث المنازل للأشخاص النازحين من مكان لآخر، وكالعادة حمل نادر وخمس شباب آخرين أثاث المنزل، وكان لزامًا أن يمروا على أحد الحواجز، بعد عملية التفتيش المهينة، وقع ما لم يكن في الحساب، حيث وجد الجنود سلاحًا مع احد الشباب.
وقد اتهم الجنود الشباب الخمسة بسرقة الأثاث، لأنهم لم يحملوا ورقة من مختار المنطقة تشهد على أن ما في السيارة هو ملك لهم، وبعد مناوشات تم سحب خمستهم إلى السجن، ولم يعرف عنهم أي خبر، وقد اكتشف فيما بعد أن السبب في سجن الشباب الخمس هو صاحب المسدس الذي كان يرشي العقيد المسؤول عنه ولا يذهب للخدمة، مما زاد الطين بلة، وفي عقيدة نظام لا يعرف الرحمة فالكل سواسية في العذاب مذنب كان أم لا.
رحل ولم يعد
مرت سنة وثماني شهور دون وروود أي خبر عن فادي، وبعد محاولات باءت بالفشل لمعرفة مصيره والكثير من النقود التي ضاعت هباءً في سبيل معلومة عنه، وبعد ثلاث سنوات من محاولات زوجته المحامية اكتشفت العائلة خبر وفاة ابنها تحت الضرب والتعذيب قبل شهرين من الخبر.
لم يكشفوا عن وفاته في وقتها حتى يتم استغلال العائلة ماديًا وسحب النقود بشكل أو بآخر لاستنزاف خوف العائلة على ابنها، حتى مع ذلك تم منع العائلة من أخذ هويته، أو نعي وفاته للناس، لم يستطيعوا اخذ أي أوراق إثبات لهويته وحاله وحتى جثمانه دفن في المقابر الجماعية بعيدًا عن اهله.
الصُورة التي خرج بها فادي لم تعُد أبدًا، استطاعت زوجته المحامية الحصول على هويته بعد فترة وصورة له، أخته الوحيدة التي شاهدت صورته توصف الحال التي كان بها ” جسده نحيف جدًا، بلا شعر، أكل الجرب جسده، بينما لم تكن عينه في مكانها”. رحل فادي يحمل تحت الأرض الظلم والعذاب الذي تحمله بلا ذنب، وترك طفلته الصغيرة وزوجة تحمل على عاتقها مسؤولية وجراح لا تطيب حتى مع الزمن.
مرة أخرى
لم يكتف الأمن بقتل الابن الأول، حتى قرعوا أبواب منزل أبو فادي مرة أخرى بعد ذلك يسألون عن شادي (26 سنة) ، سحبوا منه هويته، وطلبوا منه الحضور لاستلامها فيما بعد، ولم يكن يعلم شادي الذي ليس له علاقة بأي أعمال انه بمجرد وصوله إلى هناك لن يعود أبدًا، وحتى اليوم وبعد سنتين أخباره مفقودة لا يعلم أحد أرضه من سمائه بعد تنقلات عدة من سجن إلى سجن.
توالت المصائب فأهلكت جسد الأم بالسكري والأمراض، وإن كانت تعلق الأمل بالله ثم بالزمن أن يعيد لها أبناءها محاولة تكذيب أي حقيقة وردت إليها، وبذلك لم تعد أي فرحة تزور هذا المنزل بعد أن فقد الوالد سنديه وفلذات أكباده ظُلمًا وبهتانًا دون مسوغات.