بعد اختفاء لمدة عامين السلطات تلقي القبض على “الأسير” المحكوم بالإعدام
شبكة العاصمة اونلاين – خاص
همام الدين الرشيد
أحمد الأسير الحسيني الشيخ المطارد في بلده؛ والذي ينتظر تنفيذ حكم بالإعدام بعد اعتقاله، بسبب أحداث عدها الكثيرون فخاً نصب له وتخلياً من أطراف محسوبة على “تيار أهل السنة” عنه وعن قضيته.
فبعد حوالي سنتين من المطاردة، ألقت السلطات الأمنية في مطار بيروت القبض على الشخصية الغامضة الشيخ أحمد الأسير، إمام مسجد بلال بن رباح في صيدا والمسؤول عن أحداث واقعة عبرا منذ سنتين، بعد أن أسقط شخصيات شيعية لبنانية بتصريحات جريئة واعتصامات مدنية قطعت طريق بيروت بالجنوب اللبناني لشهر من الزمن، لتنتهي مسيرته بمعارك حقيقية بينه وبين الجيش اللبناني ذهب ضحيتها أكثر من عشرين عنصراً من الجيش وبعض المرافقين للأسير.
عرف عن الأسير أنه من أولى الشخصيات اللبنانية التي دعمت الثورة السورية علناً ودون خوف من حزب الله المسيطر في لبنان، وظهر الأسير بلباس عسكري كامل مشاركاً في معارك القصير قبل أن يدخلها حزب الله في وقت لاحق، وبعد معركة عبرا في يونيو/حزيران 2013 شكّل اختفاء الأسير هاجساً سياسياً وأمنياً لحزب الله، فكان الخوف من أن تتحول حالة الأسير إلى ظاهرة لبنانية شعبية تعزز الجهود المناهضة لحزب الله في الداخل اللبناني، ليأتي خبر القبض عليه قبل سفره إلى نيجيريا عبر مطار القاهرة مصدر راحة واطمئنان لقيادات الحزب وداعميهم.
الولادة والنشأة :
أحمد الأسير الحُسيني من مواليد صيدا جنوبي لبنان 1968، شيخ عالم يحسب على التيار السلفي في لبنان شغل منصب إمام مسجد بلال بن رباح مركز الذي يعتبراً مركزاً لأهل السنة في صيدا وما حولها، نشأ في صيدا لأبوين لبنانين فوالده محمد هلال الأسير عازف عود ومطرب سابق، أم والدته فشيعية من مدينة صور، وترعرع في منطقة حارة صيدا ذات الغالبية الشيعية.
حفظ القرآن حفظاً وتلاوةً وهو ابن سبع سنوات، ودرس العلوم الشرعية لاحقاً في كلية الشريعة التابعة لدار الفتوى في بيروت ونال شهادة الدبلوم في الفقه المقارن، واشتهر بلقب الأسير، وهو لقب عرفت به عائلته لأن أحد أجداده أسر من طرف الفرنسيين بمالطا أيام الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان.
وصفه المقربون منه بالشخصية الهادئة وأنه ذو كاريزما طاغية، محدث لبق، وصريح في كل مواقفه وتحركاته، مقنع يجمع حوله الناس ويجندهم لنصرة دعوته ومواقفه، ما أهله لاحقاً ليكون مرجعية دينية وإجتماعية لكثير من أهل السنة في لبنان.
جهاده ودعوته :
التحق الأسير بعيد الإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 بالمقاومة المسلحة إلى جانب الحركات الفلسطينية، وبقي إلى جانبهم زهاء أربع سنوات، وانتقل لاحقاً للعمل مع جماعة الدعوة والتبليغ وأسس مجموعته الخاصة في مسجد بلال في صيدا، ليذيع صيته ويكثر طلابه في أواخر عام 1999.
التزم الشيخ الأسير في مسجده الاستقاء من الكتاب والسنة المشرفة، وكان دوماً يصر على استقلاليته وأنه لا يتبع لأي جهة سياسية أو دينية، وأنّ جُل الدعم الذي يتلقاه من أفراد ومتبرعين ومرتادي المسجد، فوصفه البعض أنه عزف عن تجديد مسجده وعمرانه إلى تجديد منهجه وأعماله، فخرج عدداً كبيراً من الطلاب والدعاة في لبنان وصل صداهم إلى فئات المجتمع اللبناني كافة، رغم كل ما يحويه هذه المجتمع من تعقيدات وصعوبات.
دعمته كثير من الفئات الإسلامية في لبنان بالتأييد: كالسلفيون وحزب التحرير والجماعة الإسلامية بلبنان (الإخوان المسلمون)، لكنه كما سلف لم يتبع لأحد ولم يرضى لأحد وصاية عليه، بل كان يدافع يقول أنه هدفه نشر الثقافة الإسلامية في المنطقة ولا يهدف إلى بسط النفوذ، ولذلك يلاحظ في خطاباته نبرة جديدة في الساحة اللبنانية تميزت بالتوجه إلى النصارى باستمرار لطمأنتهم وحثهم على البقاء في مدنهم وقراهم، مستنداً إلى أنه يسكن في منطقة مسيحية مع عائلته، ولا يكنّ أي نزعة كراهية للمسيحيين.
مشاركاته السياسية والمجتمعية :
استطاع الأسير جذب عدسات الإعلام وأنظار الصحفيين إليه بقوة، فتناول المواضيع المثيرة للجدل في مجتمعه، ونقدها بجرأة وتحرك بما تمليه عليه مبادئه فتجمع حول أعدادا كبيرة من الناس في فترة زمنية قصيرة، ويعتبر الأسير من أشد المناهضين لـ”المشروع الإيراني” كما أسماه، وأطلق رداً عليه عصيان “ثورة الكرامة” التي أرادها لإعادة التوازن بين الطوائف اللبنانية، ومعالجة السلاح خارج الدولة لا سيما سلاح حزب الله من خلال استراتيجية دفاعية.
دعا للاعتصام في ساحة الشهداء للوقوف بجانب الثورة السورية، وكان الخبر الأهم في مسيرته وقوفه في وجه الأمين العام لحزب الله “حسن نصر الله” فتحداه علناً وندد بتهجم الأمين العام على أصحاب رسول الله، وتجاهل كل الأصوات السنية التي حاولت التشويش على دعوته أو اتهمته بالتحريض المذهبي في بلد يعتبر فيه السنة أكثرية مستضفعة، ورغم ذلك نجح في استقطاب آلاف الشباب السنة لدعوته فشاركوا في الاعتصام، الأمر الذي توجس منه قيادات حزب الله إلى درجة كبيرة.
استجر بعدها الحزب كلّ من الجيش اللبناني وجماعة الأسير إلى اشتباكات متفرقة تحولت إلى معركة كبرى في حزيران 2013، ما أدى إلى سقوط قتلى من الجيش اللبناني فاتخذ ذلك ذريعة قانونية لحسم “ظاهرة الأسير” وإنهائها، وترك سلاح حزب الله الذي يقاتل في سوريا بكل طاقته.
وبعد عدة أشهر من المعركة أصدر القضاء اللبناني حكماً بالإعدام على 54 شخصاً بينهم الشيخ أحمد الأسير، لإقدامهم بحسب بيان المحكمة على “تأليف مجموعات عسكرية تعرضت لمؤسسة الدولة المتمثلة بالجيش، وقتل ضباط وأفراد منه، واقتناء مواد متفجرة وأسلحة خفيفة وثقيلة استعملت ضد الجيش”.
اعتقاله :
بعد اختفاء غامض لمدة سنتين، حاول الأسير الهرب من لبنان عبر مطار بيروت برفقة شخص آخر نحو نيجيريا عبر العاصمة المصرية القاهرة، مستخدماً وثيقة سفر فلسطينية مزورة باسم “رامي عبد الرحمن طالب” بحسب مصادر لبنانية و”خالد العباسي” بحسب مصادر لبنانية أخرى، ليلقى القبض عليه يوم 15 أغسطس 2015، وبثت السلطات الأمنية صوراً للشيخ الأسير يظهر فيها تغييره لملامح وجهه وحلق لحيته.
ولا تزال تفاصيل الاعتقال مجهولة إلا أن أصابع اتهام تشير إلى تورط بعض الفصائل الفلسطينية في مخيم عين الحلوة بالقبض على الأسير، وعلاقتها بتسليم الأسير إلى السلطات اللبنانية، وليس من المطار كم أعلنت الأخيرة.
مراجع :
^ موقع صيدا أون لاين – من هو الشيخ أحمد الأسير؟ – أحداث عبرا وصيدا بالصور
^ أنباؤكم – الشيخ الأسير يدخل سوريا للتصدي لمليشيات حسن نصر الله
^ جريدة النهار 22 تموز 2012
^ موقع مسجد بلال بن رباح
^ جريدة الديار 08-12-2012
^ مجلة الشراع 12-03-2012
^ صدى البلد 05-03-2012
^ صدى البلد 02-04-2012
^ اللواء العدد 134135 آذار 2012، السفير العدد 12126 05-03-2012، الجمهورية العدد 302، النهار العدد 24667، الديار العدد 8286